في عام ٢٠١٥ عندما باشرت بعملي الأول لي في لندن لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أتوقعه. حينها كان يراودني شك مخيف في خبرتي العملية إن كانت صالحة في بلاد سادة العالم، ولم أكن واثقاً من لهجتي ونطقي ومفرداتي الإنجليزية. طبعاً ناهيك عن توجسي من الصدمة الثقافية التي لطالما بثت تربيتنا الفزع منها في طفولتنا. كل هذا وأكثر جعلني أبدء العمل مطأطأً الرأس ومنصرفاً إلى عملي وتقديم أفضل المستطاع. لاحت رياح التغيير مرة أخرى فقررت إنهاء عملي وودعت العملاء والزملاء.
ردات فعلهم ورسائلهم كانت أكثر من رائعة. تبادلت أرقام الهواتف مع البعض لأراهم لاحقاً، والبعض الأخر كان صدوقاً بالرغبة في البقاء على تواصل. بعض المدراء عرضوا علي العمل في شركاتهم حينما أحببت. هذا كله أدفىء قلبي المتحجر لأنني لم أتوقع شيئاً منه.الآن أنظر إلى هذه المغامرة القصيرة وأنا ممتن لاللطافة الإنجليزية التي غمرت بها منذ يومي الأول وكانت عاملاً جوهرياً في خروجي من قوقعتي. لو لم يكن اللطف والصبر الطبع الغالب عندهم لكنت في حال أخر الآن. شعوري بالإمتنان كان ممزوجاً بالفخر أنني كلما سئلت من أين أكون كنت أجيب أنني لاجىء سوري. كنت أستمتع بنظرات الحيرة في أوجههم وإستغرابهم بين ما يرونه في شاشات التلفزة والشخص الطبيعي والعادي كأي منهم الماثل أمامهم. نجاحي المتواضع كان له أثر صغير في تغيير ما يراه الغربيون فينا. ولم أحلم في حياتي أن يكون لي هذا الأثر.